فصل: الباب الأول في ذكر الأرض على سبيل الإجمال:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.المقالة الثانية في المسالك والممالك:

وفيها أربعة أبواب:

.الباب الأول في ذكر الأرض على سبيل الإجمال:

وفيه ثلاثة فصول:

.الفصل الأول في معرفة شكل الأرض وإحاطة البحر بها وبيان جهاتها الأربع وما اشتملت عليه من الأقاليم الطبيعية وبيان موقع الأقاليم العرفية من الأقاليم الطبيعية وذكر الحدود الجامعة لها ومعرفة طريق استخراج جهة كل بلد:

وفيه طرفان:

.الطرف الأول في شكل الأرض وإحاطة البحر بها:

أما شكل الأرض فقد تقرر في علم الهيئة أن الأرض كرية الشكل والماء محيط بها من جميع جهاتها إلا ما اقتضته العناية الألهية من كشف أعلاها لوقوع العمارة فيه؛ وقيل هي مسطحة الشكل؛ وقيل كالترس، وقيل كالطبل، والتحقيق الأول وبكل حال فالماء محيط بها من جميع جهاتها كما تقدم.
قال في تقويم البلدان: وأحواله معلومة في بعض المواضع دون بعض، فمن المعلوم الحال الجانب الغربي ويسمى بحر أوقيانوس بهمزة مضمومة بعدها واو ساكنةٌ ثم قاف مكسورة ثم ياء مثناة تحت مفتوحةٌ ثم ألف بعدها نون ثم واو ثم سين مهملة. ثم للأرض أربع جهات: الأولى- المشرق، سميت بذلك لشروق الشمس منها؛ ويقال لها الشرق أيضاً.
الثانية- المغرب، سميت بذلك لغروب الشمس فيها، ويقال لها الغرب أيضاً.
الثالثة- الشمال بفتح الشين وهي التي إذا استقبلت المشرق كانت على شمالك ويقال لها الشام أيضاً، لأن الشام كانت في جهة الشمال عن بلاد العرب فسميت الجهة به؛ وأهل مصر يسمون هذه الجهة: البحرية، لكونها جهة البحر الرومي، أو تسميةً لها باسم الريح التي تهب منها، فقد سبق أنهم يسمون الريح التي تهب من الشمال البحرية، لأنها يسار بها في البحر كيف كان.
الرابعة- الجنوب بفتح الجيم وهي التي إذا استقبلت المشرق كانت على جانبك الأيمن ولم يسم بالأيمن كما سمي مقابله بالشمال، لأنه لما ذكر الشمال لم يبق إلا الجانب الأيمن فاستغني عن ذكره؛ وأهل مصر يسمون هذه الجهة: القبلية، لوقوعها في جهة قبلتهم ولذلك يبدأون بها في التحديد، وإن كان الأصل الأبتداء بالمشرق؛ لأن منه مبدأ حركة الفلك.
ثم كرة الأرض يقسمها خط في وسط بنصفين: نصفٍ جنوبيً، ونصف شمالي؛ ويسمى هذا الخط الأستواء، لاستواء الليل والنهار عنده في جميع فصول السنة، ويقاطعه خط آخر يقسمها بنصفين: نصفٍ شرقي ونصفٍ غربي؛ وتصير الأرض به أربعة أرباع، ويسمى هذا الخط خط نصف النهار لمسامته الشمس له في نصف النهار، وكل من هذين الخطين مقسوم بمائة وثمانين درجةً، كل درجة ستون دقيقةً، وسيأتي تقدير ذلك بالأميال والفراسخ والمراحل والبرد في الكلام على بعد ما بين البلدان فيما بعد إن شاء الله تعالى.
واعلم أن كل ما بعد عن أقصى العمارة في المغرب إلى جهة المشرق يعبر عنه عند علماء الهيئة والميقات بالطول؛ وقد اختلف في ابتداء ذلك: فالقدماء ابتدأوه من جزائر بالبحر المحيط تعرف بالخالدات، يأتي الكلام عليها في جملة جزائر البحر المحيط، والمحققون على ابتداء ذلك من ساحل البحر المحيط الغربي الذي هو أقصى العمارة الآن، وبينهما عشر درج، ونهاية العمارة في المشرق موضع يقال له كندر؛ ومنتصف ما بين الأبتداء والنهاية الشرقية يسمى قبة أرين، ويعبر عنه بقبة الأرض؛ وهي على بعد ربع الدور من المبدإ الغربي، ويختلف الحال فيه باختلاف الأبتداء من الجزائر الخالدات أو من الساحل. وما بعد عن خط الأستواء المقدم ذكره يعبر عنه بالعرض؛ فإن كان في جهة الجنوب فالعرض جنوبي، وإن كان في جهة الشمال فالعرض شمالي. ويعتبر الطول والعرض في الأمكنة من البلدان وغيرها بالدرج والدقائق على ما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ثم النصف الجنوبي من الأرض لا عمارة فيه إلا فيما قارب خط الأستواء في بعض بلاد الزنج والحبشة، وما والى ذلك مما لا يزيد عرضه على ثلاث درج فيما أورده السلطان عماد الدين صاحب حماه في تقويم البلدان أو ست عشرة درجةً وخمسٍ وعشرين دقيقة فيما ذكره إسحاق الحارثي وغيره. وأكثر المعمور إنما هو في النصف الشمالي؛ والعمارة فيه فيما بين خط الأستواء إلى نهاية سنت وستين درجةً ونصف درجة العرض، وما وراء ذلك إلى نهاية الشمال خرابٌ لا عمارة فيه، وغالب العمارة واقع بينما يجاوز عرضه عشر درج إلى حدود الخمسين درجةً، وما وراء ذلك في جهة الجنوب إلى خط الأستواء، وفي جهة الشمال إلى حد العمارة غالبه جبال قفار، وغالب العمارة في الطول من ساحل البحر المحيط الغربي إلى تسعين درجة فما دونها.

.الطرف الثاني فيما اشتملت عليه الأرض من الأقاليم الطبيعية الأقاليم الطبيعية:

قد قسم الحكماء المعمور إلى سبعة أقاليم ممتدة من المغرب إلى المشرق في عروض قليلة تتشابه أحوال البقاع في كل إقليم منها، ثم اختلفوا في ترتيبها بحسب العرض، فقوم جعلوا ابتداء الأول منها خط الأستواء، وآخر السابع منتهى العمارة في الشمال وهو ست وستون درجة على ما تقدم.
قال في تقويم البلدان: والذي عليه المحققون أن ابتداء الإقليم الأول حيث العرض اثنتا عشرة درجة وثلثا درجة، وما وراء ذلك إلى خط الأستواء خارج عن الإقليم الأول في جهة الجنوب، وآخر الإقليم السابع حيث العرض خمسون درجة وثلث درجة، وما وراء ذلك إلى نهاية العمران في الشمال خارجٌ عن الإقليم السابع إلى الشمال فيكون من العمران ما لم يدخل في الإقليم السبعة، وعليه وقع الترتيب في هذا الكتاب.
الإقليم الأول- مبدؤه حيث العرض اثنتا عشرة درجةً وثلثا درجة كما هو مذهب المحققين على ما تقدم، ووسطه حيث العرض ست عشرة درجة ونصف وثمن درجة، وآخره حيث العرض عشرون درجة وربع ثمن درجة، فتكون سعته سبع درجات وثلثي درجة وثمن درجة.
الإقليم الثاني- مبدؤه حيث العرض عشرون درجة وربع وثمن درجةٍ، ووسطه حيث العرض أربع وعشرون درجة وثلثا درجة، وآخره حيث العرض سبعٌ وعشرون درجة ونصف درجة، فتكون سعته بالتقريب سبع درج وثلاث دقائق.
الإقليم الثالث- مبدؤه حيث العرض سبعٌ وعشرون درجة ونصف درجة، ووسطه حيث العرض ثلاثون درجة وثلثا درجة، وآخره حيث العرض ثلاث وثلاثون درجة وثلثا درجة، وآخره حيث العرض ثلاث وثلاثون درجة ونصف وثمن درجة التقريب؛ فتكون سعته ست درجات وثمن درجة بالتقريب.
الإقليم الرابع- مبدؤه حيث العرض ثلاث وثلاثون درجة ونصف وثمن درجة؛ ووسطه حيث العرض ست وثلاثون درجة وخمس وسدس درجةٍ؛ وآخره حيث العرض تسع وثلاثون درجة إلا عشراً، فتكون سعته خمس درجات وسبع عشرة دقيقةً بالتقريب.
الإقليم الخامس- مبدؤه حيث العرض تسعٌ وثلاثون درجة؛ ووسطه حيث العرض إحدى وأربعون درجةً؛ وآخره حيث العرض ثلاث وأربعون درجة وربع وثمن درجةٍ؛ فتكون سعته أربع درجات وربع وثمن وعشر درجةٍ بالتقريب.
الإقليم السادس- مبدؤه حيث العرض ثلاث وأربعون درجة وربع وثمن درجة، ووسطه حيث العرض خمس وأربعون درجة وعشر درجة؛ وآخره حيث العرض سبع وأربعون درجة وخمس درجة؛ فتكون سعته ثلاث درجات ونصف وثمن وخمس درجة.
الإقليم السابع- مبدؤه حيث العرض سبع وأربعون درجة وخمس درجة؛ ووسطه حيث العرض ثمانٌ وأربعون درجة ونصف وربع وثمن درجة؛ وآخره حيث العرض خمسون درجةً وثلث درجة؛ فتكون سعته ثلاث درجات وثمان دقائق.
وأما أطوال هذه الأقاليم فإنها تختلف في الطول والقصر باعتبار القرب من خط الأستواء والبعد عنه؛ فكلما قرب الإقليم من خط الأستواء كان أكثر طولاً من الذي يليه: ضرورة أن أوسع الكرة وسطها وما بعده من الجانبين يقصر شيئاً فشيئاً.
فطول الإقليم الأول- من ابتدائه من ساحل البحر المحيط الغربي إلى ساحل بحر المحيط الشرقي في ما ذكره في تقويم البلدان مائةٌ واثنتان وسبعون درجةً وسبع وعشرون دقيقة.
وطول الإقليم الثاني- مائة وأربع وستون درجة وعشرون دقيقةً.
وطول الإقليم الثالث- مائة وأربع وخمسون درجة وخمسون دقيقة.
وطول الإقليم الرابع- مائة وأربع وأربعون درجة وسبع عشرة دقيقة.
وطول الإقليم الخامس- مائة وخمس وثلاثون درجة واثنتان وعشرون دقيقة.
وطول الإقليم السادس- مائة وست وعشرون درجة وسبع وعشرون دقيقة.
وطول الإقليم السابع- مائة وتسع عشرة درجة وثلاث وعشرون دقيقة.

.الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الثانية في البحار التي يتكرر ذكرها بذكر البلدان في التعريف بها والسفر إليها:

وفيه طرفان:

.الطرف الأول في البحر المحيط البحر المحيط:

وهو المستدير بالقدر المكشوف من الأرض. وأحواله معلومة في بعض المواضع دون بعض.
فمن المعلوم الحال منه الجانب الغربي، ويسمى بحر أوقيانوس، وفيه الجزائر الخالدات المتقدم ذكرها في الكلام على الأطوال.
ويأخذ في الأمتداد من سواحل بلاد المغرب الأقصى من زقاق سبتة الذي بين الأندلس وبر العدوة إلى جهة الجنوب حتى يتجاوز صحراء لمتونة، وهي بادية البربر بين طرف بلاد المغرب من الجنوب وبين طرف بلاد السودان من الشمال، ثم يمتد جنوباً على أرضٍ خرابٍ غير مسكونة ولا مسلوكة حتى يتجاوز خط الأستواء المتقدم ذكره إلى الجنوب.
قال الشريف الأدريسي: وماؤه هناك ثخين غليظ شديد الملوحة، لا يعيش فيه حيوان، ولا يسلك فيه مركب.
ثم يعطف إلى جهة الشرق وراء جبال القمر التي منها منابع نيل مصر الآتي ذكرها فيصير البحر المذكور جنوبياً عن الأرض، ويمتد شرقاً على أراض خراب وراء بلاد الزنج، ثم يمتد شرقاً وشمالأ حتى يتصل ببحر الصين والهند، ثم يأخذ مشرقاً حتى يسامت نهاية الأرض الشرقية المكشوفة، وهناك بلاد الصين، ثم ينعطف في شرق الصين إلى جهة الشمال ويصير في جهة الشرق عن الأرض، ويمتد شمالاً على شرقي بلاد الصين حتى يتجاوز حد الصين، ويسامت سد يأجوج ومأجوج، ثم ينعطف ويستدير على أرضٍ غير معلومة الأحوال، ويمتد مغرباً ويصير في جهة الشمال عن الأرض، ويسامت بلاد الروس ويتجاوزها؛ ثم ينعطف غرباً وجنوباً ويستدير على الأرض ويصير في جهة الغرب منها، ويمتد على سواحل أمم مختلفة من الكفار حتى يسامت بلاد رومية من غربها، ثم يمتد جنوباً ويتجاوز بلاد رومية ويسامت البلاد التي بينها وبين الأندلس، ويتجاوزها إلى سواحل الأندلس؛ ويمتد على غربي الأندلس جنوباً حتى يجاوزه وينتهي إلى زقاق سبتة الذي وقعت البداءة منه.

.الطرف الثاني في البحار المنبثة في أقطار الأرض ونواحي الممالك وما بها من الجزائر المشهورة البحار المنبثة في أقطار الأرض:

وهي على ضربين:
الضرب الأول: الخارج من البحر المحيط وما يتصل به:
والمشهور منه ثلاثة أبحر:
البحر الأول: الخارج من البحر المحيط الغربي إلى جهة الشرق:
وهو بحر الروم وأضيف إلى الروم لسكنى أممهم عليه من شماليه، ويعبر عنه بالبحر الرومي أيضاً، وقد يعبر عنه بالبحر الشامي، لوقوع سواحل الشام عليه من شرقيه ومخرجه من المحيط من بحر أقيانوس المتقدم ذكره بين الأندلس وبر العدوة من بلاد المغرب، ويسمى هناك بحر الزقاق، وربما قيل زقاق سبتة، لمجاورته لها على ما سيأتي؛ وهو هناك في غاية الضيق.
قال الشريف الأدريسي: والثابت في الكتب القديمة أن سعته عشر أميال ولكنه اتسع بعد ذلك.
قال ابن سعيد: وهو في زماننا ثمانية عشر ميلاً.
قال في الروض المعطار: ويذكر أنه كان عليه قنطرة عظيمة بين الأندلس وساحل طنجة من بر العدوة، مبنيّة بالحجارة، لا يعلم لها نظير في معمور الأرض، يمرّ عليها الناس والدوابّ من جانب إلى جانب، وأن البحر قبل الفتح الإسلاميّ بمائة سنة طمى فأغرق القنطرة؛ وربما ظهرت لأهل المراكب تحت الماء. قال: والناس يقولون إنه لا بدّ من ظهورها قبل فناءالدنيا.
ويبتديء هذا البحر من أول بحر الزّقاق المقدّم ذكره، ويمتدّ على سواحل الغرب إلى حدود الديار المصريّة فيمرّعلى مدينة طنجة حيث الطول ثمان درج، والعرض خمس وثلاثون درجةً ونصفٌ؛ ثم يعطف جنوباً وشرقاً إلى مدينة سلا.
ثم يمتدّ شرقاً وشمالأ إلى مدينة سبتة ويمتد كذلك حتّى يسامت مدينة فاس قاعدة الغرب الأقصى على بعد منه؛ ثم يمتدّ إلى حدود مدينة تلمسان قاعدة الغرب الأوسط؛ ثم يأخذ شرقاً بميلة إلى الشمال حتّى يصير عند الجزائر فرضة بجاية، ويمرّ حتّى يسامت بجاية.
ثم يمتدّ حتى يجاوز مدينة مرسى الخرز الذي به مغاص المرجان شرقيّ قسنطينة: آخر مملكة بجاية من الشرق، ثم يتجاوز مملكة بجاية إلى أول حدود إفريقية، ويمرّ في سمت وسط المشرق حتّى يقابل مدينة تونس قاعدة إفريقية من شماليها، ويدخل منه خور إلى تونس المذكورة.
ثم يمتد بعد أن يتجاوز تونس نحو تسعين ميلاً شرقاً نصاً، ثم يعطف جنوباً حتى يصير له دخلة كبيرة في الجنوب، وفي فم هذه الدخلة حيث يعطف البحر عن الشرق إلى الجنوب جزيرة قوصرة مقابلة لجزيرة صقيلة.
ثم يمتد في الجنوب إلى قريب من مدينة سوسة؛ ثم يشرق إلى سوسة المذكورة ثم يأخذ شرقاً وجنوباً إلى مدينة المهدية؛ ثم يمر شرقاً وجنوباً حتى يتجاوز مدينة صفاقس، ويمتد حتى يجاوز جزيرة جربة؛ ثم يعطف شمالاً ويصير للبر الجنوبي دخلة في البحر، ويمتد شرقاً وشمالأ حتى يبلغ مدينة طرابلس وهي آخر مدن إفريقية، ثم يمتد شرقاً حتى يجاوز حدود إفريقية عند طول إحدى وأربعين درجة، ثم يمتد شمالاً على سواحل برقة الآتي ذكرها في جملة نواحي الديار المصرية إلى طليثما ثم ينعطف إلى جهة الشمال، ويكون للبر في البحر دخلةٌ إلى رأس أوثان وهو جبل داخل في البحر، ثم يشرق من رأس أوثان إلى رأس تنبي وهو جبل في البحر قبالة رأس أوثان من جهة الشرق؛ ثم يعطف إلى الجنوب ويمتد جنوباً حتى يسامت عقبة برقة وهي أول حدود الديار المصرية، على ما سيأتي ذكره في تحديدها.
ثم يمتد على سواحل مصر، ويمر شرقاً وجنوباً إلى مدينة الإسكندرية من قواعد الديار المصرية.
ثم يأخذ شرقاً إلى عند مصب فرقة النيل الشرقية، ويأخذ مشرقاً إلى رشيد عند مصب فرقة النيل الغربية، ويمتد كذلك إلى مدينة دمياط عند مصب فرقة النيل الشرقية، ويأخذ شرقاً إلى الطينة ثم إلى الفرما ثم إلى العريش ثم إلى رفح وهي منزلة في طرف رمل الديار المصرية من جهة الشام على مرحلة من غزة، حيث الطول نحو ست وخمسين درجة ونصف والعرض اثنتان وثلاثون درجة؛ ومن هنا ينقطع تشريقه.
ثم ينعطف ويأخذ شمالاً على سواحل الشام الآتي ذكرها في الكلام على المملكة الشامية فيمتد إلى مدينة غزة، ثم إلى عسقلان، ثم إلى يافا ميناء الرملة من أعمال الصفقة الساحلية من دمشق؛ ثم إلى قيسارية بفتح القاف وهي مدينة خراب تعد من جند فلسطين، كانت من أمهات المدن، ثم إلى عثليث من أعمال صفد، ثم إلى عكا من أعمالها، ثم إلى صور من أعمالها، ثم إلى بيروت من أعمال الصفقة الشمالية من دمشق، ثم إلى جبيل وهي مدينة قديمة خراب، ثم إلى أنفة من أعمال طرابلس، ثم إلى مدينة طرابلس ثم إلى أنطرطوس من أعمالها ثم إلى بلنياس من أعمالها، ثم إلى جبلة من أعمالها، ثم إلى اللاذقية من أعمالها، ثم إلى السويدية ميناء أنطاكية من أعمال حلب، ثم يأخذ البحر غرباً بشمال إياس، مدينة الفتوحات الجاهانية، ثم إلى المصيصة ثم إلى أذنة ثم إلى طرسوس ثم يمتد شمالاً بغرب حتى يجاوز حدود بلاد الأرمن، ويمتد على سواحل بلاد الروم التي هي الآن بيد التركمان الآتي ذكرها في مكاتبات ملوكهم إلى الكرك بضم الكاف وسكون الراء المهملة وهي بلدة بساحل بلاد المسلمين هي الآن بيد صاحب قبرس، ثم يمر شمالاً إلى العلايا، ويقابلها من البر الأخر دمياط من سواحل الديار المصرية تقريباً، ثم يمر إلى أنطالية ثم إلى بلاط، ثم إلى طنفزلو، ثم إلى إياس لوق، ثم إلى مغنيسيا، ثم إلى مدينة ابزو، وهي بلدة على فم الخليج القسطنطيني من الشرق، وبها يعرف الخليج فيقال فم ابزو، ويقابلها من البر الأخر غربي مدينة الإسكندرية، فيما بينها وبين برقة، ثم يجاوز الخليج المذكور، ويمتد مغرباً بميلة إلى الجنوب على سواحل الروم والفرنجة، فيمر على بلاد المرا، وهي مملكة أولها فم الخليج القسطنطيني المتقدم ذكره من جانبه الغربي.
كانت في الأيام الناصرية ابن قلاوون مشتركة بين صاحب القسطنطينية وبين طائفة الكيتلان من الفرنج وقد فتحها الآن ابن عثمان واستملكها من الروم.
ثم يأخذ بين الغرب والجنوب حتى يجاوز بلاد الملفجوط وهم جنس من الروم لهم لسان ينفردون به.
ويقابلها من البر الأخر شرقي برقة، ثم يمتد في الغرب إلى بلاد إقليرنس، ثم إلى بلاد الباسليسة، وهيس امرأة ملكت هذه البلاد بعد السبعمائة فعرفت بها.
ويقابلها من البر الأخر أوساط برقة، وبآخر هذه المملكة من جهة الغرب جون البنادقة، وهو خليج يخرج من بحر الروم هذا؛ ويمتد غرباً بشمالٍ حتى يصير طرفه غربي رومية، وعلى طرفه مدينة البندقية ومن فمه إلى منتهاه نحو سبعمائة ميل، ثم يجاوز فم الخور المذكور إلى مملكة بولية، وأولها فم خور البنادقة من الجانب الغربي.
ويقابلها من البحر الأخر طليثما فرضة برقة المتقدمة الذكر، ثم يمتد في الغرب إلى بلاد قلفرية من جملة مملكة بولية المتقدمة الذكر.
ويقابلها من البر الأخر بلاد أطرابلس من بلاد إفريقية، ثم يمتد إلى ساحل رومية، المدينة المعظمة المشهورة.
ويقابلها من البر الأخر شرقي تونس من إفريقية، ثم ينقطع تغريبه ويأخذ جنوباً حتى يجاوز سواحل بلاد رومية المذكورة إلى بلاد التسقان، وهم جنس من الفرنج وبلادهم معروفة بنبات الزعفران.
ويقابلها من البر الأخر مدينة تونس: قاعدة إفريقية المتقدمة الذكر، ويمتد في الجنوب إلى بلاد بيزة، وهي بلدة على الركن الشمالي من جزيرة الأندلس إليها ينسب الفرنج البيازنة والحديد البيزاني.
ويقابلها من البر الأخر مرسى الخرز آخر مملكة بجاية من الشرق على ما تقدم ذكره.
ثم يمتد إلى بلاد جنوة الآتي ذكرها في الكلام على البلاد الشمالية، ثم يأخذ غرباً إلى جبل البرت، وهو الجبل الفاصل بين جزيرة الأندلس وبين الأرض الكبيرة ذات الأمم المختلفة، ثم ينقطع تغريبه ويعطف مشرقاً ويدخل الركن الشرقي من الأندلس فيه؛ ويمتد في الشرق، ويستدير على الركن المذكور، ثم يعطف غرباً ويمتد على سواحل الأندلس إلى مدينة برشلونة إلى مدينة طرطوشة.
قال في الروض المعطار: ويقابلها من البر الأخر مدينة بجاية.
قال في تقويم البلدان: وعرض البحر بينهما ثلاثة مجار، ثم يمتد كذلك بين الغرب والجنوب إلى مدينة بلنسية، ثم يعطف غرباً إلى دانية، ثم يمتد غرباً بجنوب مدينة مالقة ثم يمر إلى الجزيرة، وهي مقابلة لساحل سبتة وطنجة حيث وقع الأبتداء.
وسيأتي الكلام على ضبط ما لم يضبط من البلاد على ساحل هذا البحر بالحروف مع ذكر صفاتها عند التعرض لذكرها في الكتاب في مواضعها إن شاء الله تعالى.
وطول هذا البحر من البحر المحيط إلى ساحل الشام فيما يذكر ألف فرسخ ومائة وسبعون فرسخاً، وغاية عرضه في بعض الأماكن ستمائة ميل.
وأما ما يتصل بالبحر الرومي المتقدم الذكر فبحر نيطش بنون مكسورة وياء مثناة تحت ساكنة وطاء مهملة مكسورة وشين معجمة في الأخر وهو المعروف في زماننا ببحر القرم، لتركب بلاد القرم على ساحله، ويعرف أيضاً بالبحر الأرمني، لتركب بعض بلاد أرمينية على بعض سواحله، وربما قيل فيه البحر الأسود، وهو متصل ببحر الروم المذكور من شماليه ويتركب عليه من آخره، بحر مانيطش بزيادة لفظ ما في أوله وباقي الضبط على ما تقدم وهو المعروف في زماننا ببحر الأزق، لتركب بلاد الأزق على ساحله الشرقي وليس وراءه بحر متصلٌ به، ولذلك يعبر عنه بعضهم ببحيرة مانيطش، وهو يصب في بحر نيطش، وبحر نيطش يصب في بحر الروم؛ ولذلك تسرع المراكب في سيرها من القرم إلى بحر الروم، وتبطىء في سيرها من بحر الروم إلى القرم لاستقبالها جريان الماء.
وأول بحر نيطش المذكور مما يلي بحر الروم. الخليج القسطنطيني المتقدم ذكره في تحديد بحر الروم، وهو خليج ضيق للغاية بحيث يرى الأنسان صاحبه من البر الأخر.
قال ابن سعيد: وطول هذا الخليج نحو خمسين ميلاً.
وذكر في تقويم البلدان عن بعض المسافرين أن طوله سبعون ميلاً واتصاله بالبحر الرومي من جانبه الشمالي، ويمتد شمالاً على سواحل بلاد الروم من البر الشرقي منه إلى قلعة الجرون، وهي قلعة خراب على سواحل هذا الخليج مقابل القسطنطينية، ويمتد من الجرون شمالاً بميلةٍ يسيرة إلى الشرق إلى مدينة كربى على خليج القسطنطينية على القرب من الجرون المذكورة، ثم يمتد شرقاً بشمالٍ إلى مدينة كترو وهي آخر مدن القسطنطينية التي على هذا الساحل، ثم يمتد إلى مدينة كينولي وهي بلدة على الخليج القسطنطيني، ثم يأخذ بين الشمال والغرب، يكون للبر دخلة في البحر إلى جهة الغرب، وعلى طرف هذه الدخلة فرضة سنوب من سواحل الروم الآتي ذكرها في مكاتبات ملوك الكفر؛ ثم يأخذ في الأتساع إلى مدينة سامسون وهي بلدة من سواحل بلاد الروم، ثم يأخذ مشرقاً إلى مدينة طرابزون وهي فرضةٌ للروم بهذا الساحل، ثم يمتد شمالاً بميلة إلى مدينة سخوم، وهي مدينة على ثلاثة أيام عن طرابزون شرقاً بشمالٍ وبينها وبين بلاد الكرج يوم واحد، ويقال إنها من بلاد الكرج، ثم يمتد شرقاً بشمال إلى مدينة أبخاس وهي مدينة في جبل على ساحل البحر على القرب من سخوم، ثم يتضايق البحر مغرباً ويضيق من البر الأخر حتى يتقارب البران ويصير الماء بينهما مثل الخليج، وهو مصب بحر مانيطش في بحر نيطش وعلى جانب هذا الخليج مدينة الطامان من سواحل الروم، وهي حد بلاد الروم، من مملكة بركة المشتملة على القرم، ودشت القبجاق، والسراي، وخوارزم على ما سيأتي بيانه في مكاتبات القانات، ثم يأخذ في الأتساع شرقاً وشمالأ وغرباً ويصير كالبركة، ويمتد على سواحل الأزق الآتي ذكرها في مكاتبات حاكمها إلى مدينة الشقراق وهي أول بلاد الأزق، ومنها ينتهي تشريقه، ثم يعطف إلى الشمال ويأخذ إلى مدينة الأزق ثم يستدير من الأزق حتى يصير إلى الغرب، وينتهي إلى الخليج الذي بين بحر نيطش وبحر مانيطش المتقدم ذكره.
وهناك مدينة الكرش من بلاد الأزق، مقابل مدينة الطامان المتقدمة الذكر من البر الأخر، ثم يمر جنوباً ويمتد على سواحل القرم الأتية الذكر في مكاتبة حاكمها، فيمر إلى مدينة الكفا فرضة القرم.
ويقابلها من البر الأخر مدينة طرابزون المتقدمة الذكر، ثم يمتد كذلك إلى مدينة صوادق، وهي فرضة ببلاد القرم أيضاً.
ويقابلها من البر الأخر مدينة سامسون المتقدمة الذكر، ثم ياخذ في الأنضمام جنوباً ويعطف مشرقاً بحيث يكون للبر دخلة في البحر، ويمتد على سواحل بلاد البلغار إلى مدينة صاري كرمان من بلاد البلغار، وبينها وبين صلغات مدينة القرم خمسة أيام.
ويقابلها من البر الأخر مدينة سنوب المتقدمة الذكر، ثم يأخذ في الأتساع غرباً بميلة إلى الجنوب ويمتد كذلك إلى مدينة أقجاكرمان من بلاد البلغار، ثم يأخذ جنوباً ويمتد على سواحل بلاد القسطنطينية إلى بلدة صقجى، وعندها يصب نهر طنا بطاء مهملة مضمومة بعدها نون وألف وهو نهر عظيم بقدر مجموع دجلة والفرات، ثم يتضايق ويأخذ شرقاً حتى ينتهي إلى أول الخليج القسطنطيني المتقدم ذكره، ثم يأخذ جنوباً ويتقارب البران ويمتد كذلك إلى مقابل مدينة كربى المتقدمة الذكر، ثم يمتد كذلك إلى مدينة القسطنطينية قاعدة ملك الروم الآتي ذكرها في مكاتبة ملكها.
ويقابلها من البر الآخر قلعة الجرون المتقدمة الذكر، ثم يمتد حتى يصب في بحر الروم حيث وقع الأبتداء.
وسيأتي الكلام على ضبط ما لم يضبط من البلاد التي على ساحل هذا البحر المتقدمة الذكر مع ذكر صفاتها عند الكلام على مكاتبات ملوكها وحكامها إن شاء الله تعالى.
وببحر نيطش المتقدم ذكره على القرب من الخليج القسطنطيني جزيرة مرمرا الآتي ذكرها عند الكلام على مكاتبة ملكها في جملة ملوك الكفر إن شاء الله.
البحر الثاني: الخارج من المحيط الشرقي إلى جهة الغرب:
وهو بحر يخرج عند أقصى بلاد الصين الشرقية الجنوبية مما يلي خط الأستواء حيث لا عرض، وقيل: على عرض ثلاث عشرة درجة في الجنوب، ويمتد غرباً بشمال على سواحل بلاد الصين الجنوبية، ثم على المفاوز التي بين الصين والهند حتى ينتهي إلى جبال قامرون الفاصلة بين الصين والهند.
قال ابن سعيد: ومدينة الملك بها في شرقيها، ثم يجاوز قامرون المذكورة ويمتد على سواحل بلاد الهند من الجنوب، ويمر على سفالة الهند وهي سوفارة، ويمتد حتى ينتهي إلى آخر الهند، ثم يمتد على مفازة السند الفاصلة بينه وبين البحر، ويمر حتى ينتهي إلى فم بحر فارس الخارج من هذا البحر إلى جهة الشمال على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
ويجاوزه إلى بلاد اليمن فيمر على ساحل مهرة: أول بلاد اليمن؛ ويمتد من شماليها على سواحل اليمن من جنوبيه حتى ينتهي إلى مدينة عدن فرضة اليمن، ثم يمر من عدن إلى الشمال بميلة إلى الغرب نحو مجرا حتى ينتهي إلى باب المندب وهو فرضةٌ بين جبلين، ويخرج منه ويمد غرباً بميلة إلى الشمال اثني عشر ميلاً، ثم يعطف شمالاً ويمتد على سواحل اليمن الغربية إلى علافقة فرضة مدينة زبيد، ثم يمتد شمالاً أيضاً إلى مدينة حلي من أطراف اليمن من جهة الحجاز، وهي المعروفة بحلي ابن يعقوب، ثم يمتد شمالاً على ساحل الحجاز، إلى جدة فرضةٌ على بحر القلزم، ثم يمتد شمالاً إلى الجحفة ميقات الأحرام لأهل مصر؛ ثم يمتد شمالاً بميلة إلى الغرب حتى يتصل بساحل ينبع ثم يأخذ بين الغرب والشمال حتى يجاوز مدين الآتي ذكرها في كور مصر القديمة، ويمتد شمالاً بجنوب حتى يقارب أيلة الآتي ذكرها في كور مصر القديمة أيضاً؛ ثم يعطف إلى الجنوب حتى يجاوز أيلة المذكورة إلى مكان يعرف برأس أبي محمد ويكون للبر دخلة في البحر في جهة الجنوب، ثم يعطف شمالاً حتى ينتهي إلى فرضة الطور وهي مكان حط وإقلاعٍ لمراكب الديار المصرية، وما يصل إليها من اليمن وغيرها؛ ويمر في الشمال حتى يصل إلى فرضة السويس وهي مكان حط وإقلاعٍ للديار المصرية أيضاً، وعنده ينتهي بر العرب ببحر القلزم ويبتديء بر العجم.
وهناك يقرب هذا البحر من بحر الروم على ما تقدم ذكره في الكلام على أصل هذا البحر.
ثم من السويس يعطف إلى الجنوب على ساحل مصر، ويمتد موازياً لبلاد الصعيد حتى ينتهي إلى مدينة القلزم التي ينسب إليها هذا البحر الآتي ذكرها في الكلام على كور مصر القديمة، ويقابلها من بر الحجاز أيلة ثم يأخذ عن القلزم جنوباً بميلة إلى الشرق حتى يسامت فرضة الطور المتقدم ذكرها، وتصير فرضة الطور بين أيلة والقلزم وغربي الدخلة المتقدم ذكرها، ثم يمتد كذلك حتى ينتهي إلى القصير، فرضة قوص؛ ثم يتسع في جهتي الجنوب والشرق حتى يكون اتساعه تسعين ميلاً، وتسمى تلك القطعة المتسعة بركة الغرندل، وهي التي أغرق الله فيها فرعون؛ ثم يأخذ جنوباً بميلة يسيرة إلى الغرب إلى عيذاب فرضة قوص أيضاً. ويقابلها من بر الحجاز جدة، فرضة مكة المشرفة، ثم يمتد في سمت الجنوب على سواحل بلاد السودان حتى يصير عند سواكن من بلاد البجاة؛ ثم يمتد كذلك حتى يحيط بجزيرة دهلك وهي جزيرة قريبة من ساحل هذا البحر الغربي، وأهلها من الحبشة المسلمين. ويقابلها من البر الأخر جنوبي حلي ابن يعقوب من بلاد اليمن، ويمتد حتى يصل إلى رأس جبل المندب المتقدم ذكره.
وهناك يضيق البحر جتى يرى الرجل صاحبه من البر الأخر. ويقال: إنه بقدر رميتي سهم، وترى جبال عدن من جبال المندب في وقت الصحو، ثم يتجاوز باب المندب ويأخذ شرقاً وجنوباً، ويتسع قليلاً قليلاً ويمر على بقية سواحل الحبشة حتى يمر بمدينة زيلع من بلاد الحبشة من المسلمين.
ويقابلها عدن من بر اليمن، وهي عن عدن في الغرب بميلة إلى الجنوب ثم يمر إلى مدينة مقدشو؛ ثم يمتد كذلك حتى ينتهي إلى خليج بربرا الخارج من بحر الهند في جانبه الجنوبي إلى ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
ويتجاوز فم هذا الخليج ويمتد على سواحل بلاد الزنج حتى ينتهي إلى آخرها، ثم يمتد على سواحل بلاد الواق واق على أماكن مجهولة حتى ينتهي إلى مبدئه من البحر المحيط الشرقي. على أنه في تقويم البلدان لم يتعرض لساحل هذا البحر الجنوبي فيما هو شرقي باب المندب لعدم تحققه.
واعلم أن هذا البحر يسمى في كل مكان باسم ما يسامته من البلدان، أو باسم بعض البلدان التي عليه، فيسمى فيما يقابل بلاد الصين: بحر الصين، وفيما يقابل بلاد الهند إلى ما جاورها إلى بلاد اليمن شرقي باب المندب: بحر الهند، وفيما دون باب المندب إلى غايته في الشمال والغرب: بحر القلزم نسبةً إلى مدينة القلزم المتقدمة الذكر في ساحل الديار المصرية.
قال في تقويم البلدان: وطول هذا البحر من طرف الصين الشرقي إلى القلزم ألفان وسبعمائة وثمانية وأربعون فرسخاً بالتقريب، ومقتضى كلام ابن الأثير في عجائب المخلوقات أن طوله أربعة الأف وتسعمائة وستة وستون فرسخاً وثلثان، فإنه قد ذكر أن طول بحر الصين والهند إلى باب المندب أربعة الأف وخمسمائة فرسخ، ثم ذكر أن طول بحر القلزم ألف وأربعٍ مائة ميلٍ، وهي أربعمائة وستة وستون فرسخاً وثلثان وبين الكلامين بونٌ.
وكلام صاحب تقويم البلدان أقرب إلى الصواب، فإنه استخرجه من تضريب الدرج واستخراج أميالها وفراسخها.
وبآخر بحر القلزم من الذراع الأخذ إلى جهة السويس على ميلٍ من مدينة القلزم يعرف بذنب التمساح يتقارب بحر القلزم وبحر الروم فيما بينه وبين الفرما حتى يكون بينهما نحو سبعين ميلاً فيما ذكره ابن سعيد.
قال في الروض المعطار: وكان بعض الملوك قد حفره ليوصل ما بين القلزم وبحر الروم فلم يتأت له ذلك لارتفاع القلزم وانخفاض بحر الروم، والله تعالى قد جعل بينهما حاجزاً كما ذكر تعالى في كابته.
قال: ولما لم يتأت له ذلك احتفر خليجاً آخر مما يلي بلاد تنيس ودمياط وجرى الماء فيه من بحر الروم إلى موضع يعرف بقيعان؟.
فكانت المراكب تدخل من بحر الروم إلى هذه القرية وتدخل من بحر القلزم إلى ذنب التمساح فيقرب ما في بحر إلى الأخر، ثم ارتدم ذلك على طول الدهر.
وقد ذكر ابن سعيد أن عمرو بن العاص كان قد أراد أن يخرق بينهما من عند ذنب التمساح المتقدم ذكره فنهاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: إذن يتخطف الروم الحجاج.
وذكر صاحب الروض المعطار أن الرشيد هم أن يوصل ما بين هذين البحرين من أصل مصب النيل من بحر بلاد الحبشة وأقاصي صعيد مصر فلم يتأت له قسمة ماء النيل، فرام ذلك مما يلي بلاد الفرما فقال له يحيى بن خالد: إن تم هذا تتخطف الناس من المسجد الحرام ومكة، واحتج عليه بمنع عمر بن الخطاب عمرو بن العاص من ذلك، فأمسك عنه.
ويتفرع من البحر الهندي بحران عظيمان مشهوران وهما بحر فارس والخليج البربري.
فأما بحر فارس فهو بحر ينبعث من بحر الهند المتقدم ذكره من شماليه، ويمتد شمالاً بميلة إلى الغرب مفازة السند الفاصلة بينه وبين بحر الهند، ثم على غربي بلاد السند، ثم على أرض مكران من نواحي الهند، ويخرج منه من آخر مكران خورٌ يمتد شرقاً وجنوباً على ساحل مكران والسند حتى يصير السند غربيه، ثم ينعطف آخره على ساحل بلاد كرمان من شماليها حتى تعةد إلى أصل بحر فارس، فيمتد شمالاً حتى ينتهي إلى مدينة هرموز وينتهي إلى آخر كرمان فيخرج منه خور يمتد على ساحل كرمان من شماليها، ثم يرجع من آخره على ساحل بلاد فارس من جنوبيها حتى يتصل بأصل بحر فارس، ويمتد شمالاً ثم يعطف ويمتد مغرباً إلى حصن ابن عمارة من بلاد فارس وقيل من بلاد كرمان، وهواليوم خراب؛ ثم يمتد مغرباً في جبال منقطعة ومفاوز إلى مدينة سيراف ثم يمتد كذلك إلى سيف البحر بكسر السين، وهو ساحل من سواحل فارس، فيه مزارع وقرى مجتمعة، ثم يمتد إلى جنابة من بلاد فارس، ثم يمتد إلى سينيز من بلاد فارس، وقيل من الأهواز، ثم يمتد إلى مدينة مهروبان من سواحل خوزستان، وقيل من سواحل فارس، وهي فرضةٌ أرجان وما والأها، ثم يمتد مغرباً بميلة يسيرة نحو الشمال إلى مدينة عبادان من أواخر بلاد العراق من الشرق على القرب من البصرة عند مصب دجلة في هذا البحر ثم ينعطف ويمتد جنوباً إلى كاظمة وهي جونٌ على ساحل البحرين مما يلي البصرة على مسيرة يومين منها؛ ثم يمتد إلى القطيف من بلاد البحرين ثم يمتد كذلك إلى مدينة عمان فرضة بلاد البحرين، وإليها تنتهي مراكب السند والهند والزنج ويخرج على القرب منها عن يمين المقلع من ساحلها في جهة الغرب بحرٌ ببلاد الشحر من اليمن أيضاً، وإليها ينسب العنبر الشحري الطيب كما تقدم ذكره في النوع الخامس فيما يحتاج إليه من نفيس الطيب؛ ثم يمر على سواحل مهرة من شرقي بلاد اليمن حتى ينتهي إلى مبدئه من بحر الهند.
قال في تقويم البلدان: وبفم هذا البحر ثلاثة أجبلٍ يخشاها المسافرون يقال لأحدها كسير، والثاني عوير، والثالث ليس فيه خير.
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات: وطول هذا البحر أربعمائة فرسخ وأربعون فرسخاً وعمقه ثمانون باعاً.
وأما الخليج البربري، فهو ينبعث من بحر الهند المتقدم ذكره في جنوبي جبل المندب المتقدم الذكر، ويمتد في جنوبي بلاد الحبشة، ويأخذ غرباً حتى ينتهي إلى مدينة بربرا بباءين موحدتين مفتوحتين وراءين مهملتين الأولى منهما ساكنة وهي قاعدة الزغاوة من السودان، حيث الطول ثمان وستون درجةً، والعرض ست درج ونصف.
قال في تقويم البلدان: وطوله من المشرق إلى المغرب نحو خمسمائة ميلٍ.
قال الشريف الأدريسي: وموجه كالجبال الشواهق ولكنه لا ينكسر، قال: يركب فيه إلى جزيرة قنبلو، ويقال قنبلة، وهي جزيرة للزنج في هذا البحر.
قال في القانون: وطولها اثنتان وخمسون درجة، وعرضها في الجنوب ثلاث درج.
قال الأدريسي: وأهلها مسلمون.
البحر الثالث: الخارج من المحيط الشمالي المعروف ببحر برديل:
بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت ولام في الأخر.
قال ابن سعيد: ويقال له بحر برطانية أيضاً، وهو بحر يخرج من شمالي الأندلس ويأخذ شرقاً إلى خلف جبل الأبواب الفاصل بين الأندلس والأرض الكبيرة، ويقرب طرفه الشرقي حتى يبقى بينه وبين بحر الروم المتقدم ذكره أربعون ميلاً، وهناك مدينة برديل التي يضاف البحر إليها.
الضرب الثاني من البحار المنبثة في أقطار الأرض ما ليس له اتصال بالبحر المحيط:
وهو بحر الخزر بفتح الخاء والزاي المعجمتين، وراء مهملة في الآخر:
ويسمى بحر جرجان لوقوع مدينة جرجان على ساحله، وبحر طبرستان لوقوع ناحية طبرستان على ساحله أيضاً، وهذا البحر ملحٌ منفرد عن البحار لا اتصال له بغيره البتة.
قال ابن حوقل: وهو مظلم القعر، ويقال: إنه متصل ببحر نيطش من تحت الأرض.
قال المسعودي: وهو غلط لا أصل له، ولم أدر من أين أخذه قائله، أمن طريق الحس، أم من طريق الأستدلال والقياس.
قال الشريف الأدريسي: وهو مدور الشكل إلى الطول، وقيل مثلث الشكل كالقلع، وعلى ساحله الجنوبي بلاد الجيل والديلم، وعلى جانبه الشرقي بلاد جرجان والمفازة التي بين جرجان وخوارزم، وعلى جانبه الشمالي بلاد الترك والخزر وجبال سياه كوه، وعلى جانبه الغربي بلاد إيلاق وجبال الفتيق، وابتداؤه من جهة الغرب عند مدينة باب الحديد المعروف بباب الأبواب من بلاد أران، حيث الطول ست وستون درجة والعرض نحو إحدى وأربعين درجة على القرب من دربند شروان، ثم يمتد جنوباً من باب الحديد أحداً وخمسين فرسخاً، وهناك مصب نهر الكرفيه، ثم يمتد مشرقاً بانحراف إلى الجنوب ستة عشر فرسخاً، فيمر على أراضي موقان من عمل أردبيل من أذربيجان، ثم يمتد جنوباً وشرقاً حتى تبلغ غايته في الجنوب حيث العرض سبع وثلاثون درجة قبالة مدينة آمل قصبة طبرستان، ثم ينعطف ويمتد شرقاً حتى يجاوز بلاد الجيل إل مدينة آبسكون، وهي فرضة جرجان، ثم يمتد إلى نهايته في الشرق حيث الطول ثمانون درجةً والعرض نحو أربعين عند مدينة جرجان؛ وهي في الشرق منه قريبة من ساحله، ثم ينعطف ويمتد شمالاً وغرباً حتى يبلغ نهايته في الشمال حيث العرض نحو خمسين درجة، والطول تسع وسبعون درجة؛ وفي شماليه وغربيه يصب نهر إتل الذي عليه مدينة السراي قاعدة مملكة أزبك الآتي ذكرها في مكاتبة قانهم إن شاء الله تعالى.
قال في تقويم البلدان: وليس في هذا البحر جزيرة مسكونة.